بين الحين والآخر تتولد فى محافظة المنيا مشكلة يكون الأقباط طرفا فيها، يحمل بعضها طابعا طائفيا، وأحيانا يكون الحدث عاديا إذا ما نحينا ديانة طرفيه جانبا، لكن تكرار مثل هذه الحوادث فى محافظة المنيا وآخرها أحداث قرية «الفرن» الأخيرة حرك بذهن الكثيرين منا عدة أسئلة مهمة من نوعية: لماذا المنيا تحديدا؟ وما طبيعة العلاقة بين الأقباط والمسلمين فى هذه المحافظة؟ وهل هذه الأزمات طبيعية طوال الوقت أم أن بعضها مفتعل؟ حملنا هذه الأسئلة وغيرها وتوجهنا إلى الأنبا مكاريوس ـــ أسقف عام المنيا ـــ الذى وجهت إليه شخصيا اتهامات بأنه السبب وراء التصعيد الأخير فى المحافظة، وبقدر ما كانت إجاباته مقتضبة بقدر ما كانت تحمل بين ثناياها الكثير من التفاصيل المسكوت عنها.
فى هذا الحوار تحدث الأنبا مكاريوس حول أزمات المحافظة، كما تحدث عن أوضاع الكنائس ودور العبادة بها وتحدث عن التعليق الأمريكى الأخير على ملف حقوق الإنسان فى مصر فى سياق الحديث عن منع المساعدات عن مصر، وفى السطور التالية تفاصيل ما دار بيننا:
بين الحين والآخر تتولد فى المنيا مشكلة تحمل طابعا طائفيا، ما سبب ذلك من وجهة نظرك؟
ـــ المنيا محافظة لها طابع خاص، ففيها يقطن نحو مليونى مسيحى موزعين على تسعة مراكز، وبالتالى فإن الحاجة شديدة إلى وجود كنائس تناسب هذا العدد، فى الوقت الذى نواجه فيه صعوبات شديدة فى هذا الشأن.
وهل هناك مشكلة فى علاقة الكنيسة بالأمن فى المنيا، وكيف تصف هذه العلاقة؟
ـــ تتوقف العلاقة على طبيعة المسئول من جهة كونه متعاونًا أو متشددًا، فقد مر بنا العديد من المسئولين النبلاء الوطنيين، الذين رعوا مصالح الشعب بأمانة شديدة، ونعم الأقباط بالهدوء فى أيامهم، وإن كان الأمر لا يخلو من بعض الخلافات فى بعض الأحيان، ولكنها تمر بالتفاهم والتعاون، حتى المسئولون الحاليون تربطنا بهم علاقات طيبة، ولكننا نختلف بالطبع حول طرق المعالجة وقبلها طرق الوقاية، ولكن لا خلاف شخصيا مع أى مسئول.
ولكن كانت هناك اتهامات موجهة للأنبا مكاريوس أسقف المنيا بأنه السبب وراء التصعيد الأخير؟
ـــ أنا لا أتكلم إلا كرد فعل لظلم أو تعنت، ولكنى لم أبادر ولا مرة واحدة بالحديث عن معاناتنا، لا سيما إذا كان المسئول متفهما ومتفاهما، وهناك تناغم بين القيادة الأمنية والقيادة الكنسية. وأنا لا أميل بطبعى إلى التصعيد، ولكن لا يمكن أن أرى الظلم الذى يقع على أولادنا، والإذلال والمهانة، ثم أقف لأراقب فقط، وبينما نحن مسيحيون نحتمل الآلام والمعاناة ونصلى لأجل الذين يسيئون إلينا، فنحن أيضًا مصريون نرفض الظلم والتمييز وندافع عن حقوقنا كمواطنين.
ما وضع إيبارشية المنيا بشكل عام.. هل هناك قلق فى جميع أنحاء المحافظة أم مناطق بعينها؟
ـــ إيبارشية المنيا وأبو قرقاص هى أكبر إيبارشية بين الإيبارشيات السبع فى المحافظة، ويتبعها أكثر من 400 ألف قبطى، وتشمل مركزين هما المنيا وأبو قرقاص، وبالتالى فاحتياجات الشعب أكثر، ووارد أن تكون المشاكل أكثر، ولكنها جزء من المحافظة التى لها ثقافة واحدة، وعادات وتقاليد ومشاكل من ذات النوع.
ما عدد إجمالى الكنائس فى الإيبارشية؟
ـــ نقوم الآن بعمل حصر لها ومما يجدر بنا ذكره هنا هو أن ما يزيد على نصف أماكن العبادة لدينا ليست كنائس بالمعنى الحصرى للكنيسة، أى أنها مجرد حجرات أو قاعات أو تصل مساحات بعضها إلى «ثلاثين مترا مربعا فقط»، وبعضها فى حال يرثى له من جهة التهوية أو الموقع الجغرافى.
وكم يبلغ عدد الكنائس المغلقة والمرخصة وغير المرخصة بالمحافظة؟
ـــ الكنائس المرخصة قليلة جدًا ومعظمها يرجع إلى ما قبل ثورة يوليو 1952، وأما بقية الكنائس فهى بالتوافق والتصريحات الأمنية، وقليل جدًا الذى حصل على تصريح من مؤسسة الرئاسة، ولدينا نحو خمسة عشر مكانًا مخصصًا للصلاة مغلق، كما توجد أكثر من خمسين قرية وتجمعا سكانيا يحتاج إلى مكان لإقامة الشعائر.
هل تم تسليم كل الكنائس التى تضررت فى أغسطس 2013؟
ـــ نعم، ولم يتبقَّ لدينا سوى تشطيبات بسيطة فى كنيسة الأنبا موسى بمدينة المنيا.
ما موقف البابا تجاه أحداث المنيا الأخيرة؟
ــ قداسة البابا يتابع عن كثب ويعضدنا، ومن المؤكد أن قداسته على تواصل مع المسئولين فى الدولة، وبقدر وطنيته العالية فهو مهتم بأولاده والكنائس فى كل مكان.
هل هناك اتصالات متبادلة بينكم وبين الأمن؟
ـــ نعم هناك اتصالات وتفاهمات ووعود بحلول قريبة وإزالة أسباب المنع، ونحن مع ثقتنا فى الوعود لا نكف عن المتابعة والمطالبة، وكثير منهم على درجة كبيرة من التفاهم والتعاون.
هناك مشهدان فى شوارع المنيا: الأول أقباط يصلون فى الشارع بعد تعنت الأمن، والآخر إقامة زفة فى عيد العذراء فى شوارع المنيا.. كيف تقرأ الصورتين؟
ـــ التفسير الظاهرى أن هناك مكانا آمِنا يمكن التحرك فيه بسهولة، والثانى حالته الأمنية لا تسمح، ولكنى أرى أن الفرق هو التضييق على مكان أكثر من الآخر، فبإمكان الأجهزة الأمنية أن تؤمن إقامة الشعائر، وأن ترد بقوة وبطريقة عملية على المعترضين إن وجدوا.
فى الوقت الذى أكد فيه الأنبا مكاريوس عدم تضرر المسلمين من صلوات الأقباط، يطل علينا مشهد سيدة الكرم وحرق بيوت الأقباط.. فما حقيقة المشهد فى المنيا؟
ـــ لا شك أن هناك توترات فى بعض الأماكن، وهذه التوترات قد تنشب بين أقباط وأقباط أو بين مسلمين ومسلمين، وليس بالضرورة فى كل مرة بين مسلمين ومسيحيين، وفى اعتقادى أن مشكلة الكرم تطورت بسبب الافتقار إلى الحكمة فى تصرفات المسئولين سواء الوقائية أو أثناء الحدث أو العلاجية، لم تُدَر الأزمة بشكل حِرفى شريف، إذًا وارد وجود احتقان أو مشاكل طائفية، ولكن بإمكان المسئول -ليس الأمنى فقط بل على الأصعدة الأخرى - التصرف بشكل أكثر حكمة وحرفية لتجنيب الشعب والبلاد مثل هذه الأزمات.
هناك من يقول إن أحداث الفرن نتيجة بيان الأنبا مكاريوس حول أوضاع المنيا بعد أغسطس 2013.. ما ردكم؟
ـــ الأحداث لدينا لا تتوقف، سواء قبل البيان أو بعده، من عشرات السنين والأزمات متلاحقة، البيان جاء مجرد قراءة للوضع الراهن.. الحقيقة موجعة دائمًا، ولكن علينا أن نواجه أنفسنا حتى تُحَل مشاكلنا. المجاملة والتجميل لا يفيدان، والتقارير المنقوصة والمزيفة تضلل المسئول الكبير، ثم أيهما أكثر قسوة: الواقع أو وصف الواقع؟!
كيف ترى أوضاع المنيا خصوصا أنهامن أكثر الأماكن التى تضررت فى أغسطس بعد مرور 4 سنوات؟
ـــ فى الشهور الأخيرة نشعر بروح غريبة واتجاه لم نعهده، من قبل ولا شك أن هناك امتعاضًا واستياءً داخل الأقباط يتزايد فى الآونة الأخيرة.
هناك وجهة نظر تقول إن السلفيين نصبوا كمينًا للكنيسة والأمن فى أحداث الفرن.. ما رؤيتك؟
ـــ لا أعتقد ذلك، الموضوع بسيط جدًا، والأقباط يصلون منذ سنين طويلة، ولدينا وثائق تثبت استخدام المكان للصلاة منذ أكثر من عشرين سنة، ولكن معظم النار من مستصغر الشرر، ما حدث جاء بسبب سوء تقدير وسوء تصرف وقرار خاطئ غير محسوب العواقب.
بصراحة، هل هناك أزمة فى علاقة أقباط ومسلمى المنيا؟
ـــ فى أغلبها متميزة، تربطهم معًا علاقات تاريخية لا سيما فى القرى، حيث يشتركون فى العمل والزراعة وتربية المواشى ويحيون فى تلاحم، ولكن قد يحدث أن يثير شخص ما بعض الصبية أو الشباب للتجمهر بشكل ساذج مما يوحى بأن هناك بوادر أزمة، وكثير ما يقوم العقلاء من المسلمين بإجهاض مثل تلك الأزمات، والحقيقة أن الكثير من القرى اشترك الأقباط فيها فى بناء مساجدها، كما اشترك المسلمون فى بناء كنائسها.
كيف ترى تعامل الأمن مع ملف المتشددين تجاه الأقباط؟
ـــ هذا شأن أجهزة الأمن ونحن لا نتدخل فيه مطلقًا، نحن معنيون فقط بقضايانا، ولم نشكُ أحدًا فى أى مرة، حتى أولئك الذين أساءوا إلينا، ونحن نعتبر أن المتشددين ضد الأقباط هم متشددون ضد الدولة لأن الأقباط هم مصريون.
كيف ترى القرار الأمريكى بوقف المساعدات لمصر وربطها بأحداث الفرن؟
ـــ لا أظن ذلك، فأمريكا لها حساباتها، كما أنها لم تتدخل فى الشأن القبطى، كما أننا لم نستعدِ أى أحد أو أى دولة على حكومتنا ورؤسائنا، بل نعمل معهم وننتقد أنفسنا ونصلح معًا، ولا توجد دولة ليست بها متاعب وصراعات، ونحن فيما ننتقد بعض الأوضاع فإننا فى الحقيقة نسعى أن تكون مصرنا فوق جميع الدول خالية من التمييز والاضطهاد والإرهاب.
الأنبا مكاريوس شخصية مثيرة للجدل، يضعها البابا فى مسئولية تتعلق بأمور كثيرة تخص علاقة الكنيسة بالدولة.. كيف ترى تعامل الدولة مع ملف الأقباط بوجه عام.. وهل هناك تطورات فى ملف يوحنا الدرجي؟
ـــ كان لى شرف متابعة بعض الملفات الصعبة ومنها ملف وادى الريان، وقد حدث فيه انفراجة كبيرة فى الأيام الأخيرة، والدولة أكثر اهتمامًا بالملفات القبطية من فترات سابقة، وقد أبدى السيد الرئيس اهتمامًا كبيرًا به فى أكثر من مناسبة، ويتابع بعض الملفات بنفسه، ولكن الأقباط ينتظرون أن يهتم سيادته بأخطر ثلاثة ملفات قبطية ألا وهى: الكنائس، واختفاء الفتيات القبطيات، والتمييز.
كنت ضمن الوفد الذى تم اختياره لمقابلة الرئيس، ما الإجراءات التى طُرِحت فى ملف بناء الكنائس والقانون الجديد والتراخيص، وإلى ماذا آلت الأمور على أرض الواقع؟
ـــ كان السيد الرئيس نبيلا كعادته، دمث الخلق، ركز كثيرًا فى اللقاء على ضرورة التعاون معًا لاجتياز المرحلة الراهنة، وأبدى اهتمامًا كبيرًا بما تم عرضه على سيادته.