تثار عديد الأسئلة حول الجهة التي تقف وراء الإرهابيين في سيناء، فهم ليسوا مجرد عصابات ارهابية تنفذ عمليات منفردة، بل تنظيمات لها قيادات وتحركها جهات داخلية وخارجية، وتتلقى تمويلا ضخما، وتسير وفق فتاوى تلك القيادات الارهابية.
العصابات الارهابية الوهابية فى سيناء ليست المجرم الوحيد والأول فى استهداف أقباط العريش، وتهديدهم واضطرارهم لمغادرة بيوتهم بعد قتل وترويع تعرضوا له، فثمة قيادات وهابية تقود تلك العصابات، وهناك عشرات من مشايخ الوهابية متورطين بشكل مباشر في العمليات الارهابية بسيناء، حيث تعتبر العناصر الوهابية الارهابية فتاوى أولئك المشايخ التكفيرية هي مرجعهم الرئيسي في حربهم على الأقباط، ومن المعروف أن جميع الوهابيين “السلفيين” يستقون أفكارهم ضد المسيحيين من الفتاوى الوهابية التى أصدرها التيار السلفى ضد الإخوة المسيحيين، بدءًا من تحريم تهنئتهم بالأعياد، وصولًا إلى فتاوى دفع الجزية، حتى فتاوى التكفير الصريحة.
ويسهل لأى متابع أو متصفح للإنترنت أن يعثر على عشرات بل مئات الفتاوى التى أصدرها مشايخ قيادات، ومنتمون للتيار السلفى، تستهدف الإخوة الأقباط، سواء بالتحريض أو التكفير أو المعادة المجتمعية، أو الدعوة للعزل والمقاطعة، علما بأن هذا التيار موال للسعودية وتم تجنيد معظم عناصره في المملكة وتزويدهمك بمبالغ طائلة لنشر الارهاب والتكفير والفتنة الطائفية في مصر.
وينشر الموقع الرسمى لتنظيم “لدعوة السلفية” المعروف باسم «أنا السلفى»، ينشر طوال الوقت فتاوى متطرفة وتكفيرية ضد الأقباط، فمثلًا فى فيديو منشور عام 2012 وصف نائب رئيس مجلس إدارة تنظيم الدعوة السلفية الوهابي ياسر برهامى، وصف الأقباط بالأقلية المجرمة الكافرة، قائلًا: «إخواننا النصارى الكفار إن بقوا على كفرهم فهم فى النار»، وفى أكتوبر 2010 أشاد ياسر برهامى عبر موقع «أنا السلفى» بحملة تدعو لمقاطعة المسيحيين، خاصة مصالحهم الاقتصادية، وأفتى بألا يشترى المسلمون أدوية من صيدلياتهم، والا يدخلون مستشفياتهم، ونشر الموقع سؤالًا حول حكم تهنئة النصارى بما يسمى بـ«عيد ميلاد المسيح» أو «الكريسماس»، وجاءت الإجابة بفتوى قديمة للوهابي السعودي التكفيري «ابن عثيمين» بأن تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق.
الخطير أن هذه الفتاوى حازت على أجماع كبار المشايخ الوهابيين في مصر، ولم يقدم أحدهم على مراجعتها، ولم يخرج أحد منهم للقول بأنها مخالفة للإسلام الصحيح، ما يعني أن اتباع الوهابية السعودية على قلب رجل واحد في التكفير والارهاب أيضا.
ومع الصمت من قبل مؤسسات الدولة على الفتاوى التكفيرية الوهابية ظنا بأنها حبيسة الأدراج، كانت عناصر التنظيم الوهابي الارهابي تتحرك على الأرض لتنفيذ أوامر وفتاوى مشايخهم الكبار، فقامت مليشيات “السلفيين” المسلحة بتنفيذ جرائمهم ضد المصريين الواحدة تلو الأخرى، فاستشهد المئات من افراد القوات المسلحة والشرطة وعشرات الأقباط واستمر الخراب والتخريب الوهابي لمصر، بينما يحظى قادة الوهابية بالأمن والأمان.
جميع العصابات الارهابية في مصر والتي يشكل “السلفيين” غالبيتها العظمى اعتمدت فى جرائمها الارهابية ضد المصريين على فتاوي ياسر برهامي ومحمد حسان والحويني وغيرهم من الوهابيين الذين دستهم السعودية على مصر، واعترف كثير من قيادات الارهاب، ومنهم «المشنوق» عادل حبارة، أنهم تتلمذوا على أيدى مشايخ السلفيين وفى مساجدهم، وتضمنت الاعترافات والتحريات حول كثير من المقبوض عليهم من جماعتى «أنصار بيت المقدس»، و«ولاية سيناء»، ومنهم الانتحارى الذى فجّر نفسه فى الكنيسة البطرسية، بأنهم تلقوا ما يسمى «العلم الشرعى» على يد شيوخ سلفيين مشاهير.
استرشدنا هنا بآراء وزيرى ثقافة سابقين، هما د. جابر عصفور، ود. شاكر عبدالحميد، والمفكر والقيادى اليسارى د. رفعت السعيد، والباحث فى الشؤون الإسلامية أحمد عطا، لرصد واقع الوهابية السعودية في مصر، والجرائم التي ارتكبتها ضد الشعب المصري، باعتبارها مفرخةً لدواعش العصر، بعد أن اخترقوا النسيج المصري بأموال السعودية المشبوهة، مدعين أنهم فقط مُلّاك الحقيقة المطلقة، وأنهم وحدهم ورثة العلم والمعرفة عن الصحابة والسلف الصالح، وفارضين هالة وقدسية حول انفسهم للافلات من العقاب بتهم الجوسسة والعمالة لصالح دول معادية اضافة الى الارهاب.
فمن خلال «تعريف الدعوة السلفية» لأنفسهم، ندرك أن التيار الوهابي يوهم بأنه يدعو إلى ما يعتبره الإسلام الصافى النقى، ولذا يؤكد د. جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، أن التيار الوهابي السلفى الموال للسعودية أخطر على مصر أكثر من الإخوان، ويعلل لذلك بأن «الإخوان كانوا يتظاهرون بأنهم يؤمنون بحزب مدنى ذى مرجعية إسلامية، لكن التيار السلفى لا يؤمن بأى صفة مدنية للدولة، لكنه يؤمن بالصفة الدينية فقط، وتكمن خطورته فى أنه لا يمكن أن يعترف بمؤسسات الدولة، أو مؤسسات دستورية وسياسية ولا قانونية، إنما يعترف فقط بالإمارة أو الخلافة الوهابية».
ودعا «عصفور» الدولة لمزيد من الحزم والحسم لصالح الدولة الديمقراطية الحديثة، ومنع أى تعارض مع هذا الأمر، مطالبًا بوقفة مع الذين يفتون بأن المسيحيين كفار، مشددًا على أن الفتاوى التى تصدر عن التيار السلفى، خصوصًا الدعوة السلفية التى مقرها الإسكندرية، ملأت الأرض تطرفا وتسعى لتخريب وتدمير الدولة المصرية.
وأشار وزير الثقافة الأسبق إلى أهمية النهوض بدور الأزهر الشريف، لمعالجة الأخطاء التى بداخله، حتى نتخلص من جميع هذه التيارات المتطرفة، ورأى: «إننا لا نفترى أو نفتئت عندما نقول إن التيار السلفى أخطر على الدولة المصرية من الإخوان، لأنهم دائمًا يرددون أن المسيحيين ليسوا إخوة لنا فى الوطن، وأنهم خارج الوطن، وبذلك هم يفككون الوطن ويمزقونه».
وشدد «عصفور» على أن الذى يؤسس لدولة حديثة، الرابطة القائمة على العقد الاجتماعى، وليس الرابطة الدينية، فالذى يربط بيننا كمصريين الدستور والقانون، والذى يربط بين المسلم والمسيحى الوطن.
وأوضح «عصفور» أن هناك فارقًا بين ما جاء فى القرآن والسنة النبوية، وما يفتى به المشايخ السلفيون، ويحاولون الإيهام بأنه هو الدين الصحيح، فليس من الإسلام «التحريض على قتل المختلفين دينيًا».
وتوقع الأكاديمى المصرى والمفكر المشهور أن تخوض الدولة المصرية معركة مع التيار السلفى على غرار ما حدث مع الإخوان، قائلًا: «سوف تأتى هذه المعركة لا محالة، فمستقبل مصر هو فى دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وهذا الموقف المذبذب الحاصل الآن لابد أن ينتهى فى لحظة معينة، والتيار السلفى يشوه الدين لكى يجعله مطية لمصالحهم».
الدكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الأسبق، شدد هو الآخر على أن «ما حدث فى العريش خلال الفترة الماضية للإخوة الأقباط ناتج عن الفكر السلفى الوهابي الذى يفرخ الدواعش»، ورأى أنه لا اختلاف بين الإخوان والسلفيين، إلا فى درجة التشدد، فكلاهما يدعو للتخلف، والعودة إلى الوراء، ويقف ضد المواطنة والديمقراطية، ولذلك يجب أن تكون هناك واقفة حاسمة معهم حتى لا ينتشروا ويتوغلوا أكثر داخل المجتمع المصرى.
وانتقد «شاكر» ما أسماه المهادنة والتسامح الحالى مع السلفيين، داعيًا لأن تكون هناك وقفة حاسمة معهم، ومواجهتهم أمنيًا وثقافيًا لتصحيح مسار الدولة المصرية، بتطبيق القانون والدستور، وتصعيد أفكار المواطنة والديمقراطية على أى حديث، حتى تكون مصر دولة عصرية.
وأشار أستاذ علم نفس الأدب إلى صعوبة مناهضة الفكر السلفى، مرجعًا ذلك إلى أنهم- السلفيين- ينشرون فكرهم على أنه دين وعقيدة، فى حين أننا لا نقف ضد الدين، ولكننا ضد المفاهيم الخاطئة التى تحول شركاء الوطن، الإخوة الأقباط، لمجرد «أشياء» يجب التخلص منهم، فرسول الإسلام يدعو فى أحاديثه للكلمة الطيبة، والابتسامة فى وجه الآخر، لكنّ هؤلاء السلفيين لا يبتسمون، ويميلون دائمًا إلى التشدد والتعصب، وتجدهم دائمًا ضد الدولة الحديثة، ويدعون إلى الدولة الدينية والخلافة، ومشغولون بالتكفير وليس التفكير.
«هم أخطر من الإخوان، وأعنى بذلك أنهم أكثر تشددًا وتأسلمًا من الجماعة الإرهابية».. هكذا لخص الأمر الدكتور رفعت السعيد، المفكر السياسى، مؤكدًا أن الإرهاب يبدأ بالفكر السلفى، وهذا ما اتضح فى وقائع عدة، فإن كان أغلب السلفيين لا يمارسون العنف، لكنهم «متطرفون»، والتكفيريون يستقون أفكارهم من فتاواهم.
وحذر رفعت السعيد من أن «الفكر السلفى مع مرور الوقت يتحول إلى تطرف دينى، وهذا هو الأشد خطرًا، لأنه من الممكن أن يمزق المجتمع بالقوة الناعمة وليس بالإرهاب»، واصفًا السلفيين بـ«القوة الناعمة للإرهاب، فمواقفهم من الإخوة الأقباط، وفتاواهم المستهدفة لهم تمهد للعنف من جهة، وتضر بوحدة المجتمع وتكاتفه من جهة أخرى».
ورفض «السعيد» العقلية الإدارية التى لا ترى أن الشخص لا يمثل خطورة مادام لا يمارس عنفًا، وإن كان يدعو أو يتبنى فكرًا متطرفًا، فالسلفيون- للأسف- يمهدون للعنف والإرهاب بأفكارهم».
أحمد عطا، الباحث فى شؤون حركات التيار الإسلامى، أوضح أن «جماعة الإخوان خرجت من رحم التيار السلفى المتشدد، وكلاهما صنع التنظيمات المسلحة فى منطقة الشرق الأوسط، اعتمادًا على فقه وفتاوى لأئمة مثل ابن تيمية، وابن قيم الجوزيه».
وحسب «عطا» فإن خطورة التيار السلفى تكمن فى تخصيب البنية الاجتماعية والفكرية بالفتاوى المتشددة التى لم يتخلَ عنها قيادات وأئمة الفكر السلفى المتشدد فى فترات زمنية مختلفة، اعتمادًا على بعض التشوهات فى تراث كبار الأئمة، بدليل «جمعة قندهار» فى ميدان التحرير، وهى المليونية التى فرضت حالة من الرعب بالنسبة لى على مستقبل مصر، حيت كانت تردد شعارات مثل «يا أوباما يا أوباما.. الميدان كله أسامة»، إشارة لأسامة بن لادن، ومن هنا كشف السلفيون الغطاء عن وجههم المتشدد.
وحذر الباحث فى الشؤون الإسلامية من أن التيار السلفى يستطيع أن يخلق مجتمعًا شديد التطرف وبسهولة، كما حدث فى أفغانستان وباكستان، وهما النموذجان اللذان يجسدان نتاج الفكر السلفى المتشدد الذى خرجت منه حركة طالبان، لافتًا إلى أن الجميع بمن فيهم الإخوان والأمريكان والاتحاد الأوروبى يرون التيار السلفى لاعبًا يمكن أن يلعب المباراة فى أى وقت.
وحدد «عطا» مسارين لمواجهة التيار السلفى، الأول السيطرة على المساجد والزوايا التى ينطلق منها التيار السلفى بأفكاره المتشددة فى المجتمع، من خلال تشريعات قوية، وسيطرة من وزارة الأوقاف على هذه المساجد، والمسار الثانى إعداد جيل واعد من الدعاة لديهم القدرة على تأصيل المنهجية السمحة للدين الإسلامى، بعيدًا عن الفكر المتطرف.